العتبة الكاظمية المقدسة تفتح أبوابها لاستضافة المُؤتمر العلميً الوطنيً لترسيخ نهج التعايش السلمي
في مشهد يجسد عمق الانتماء الوطني، وتلاحم الهوية العلمية والدينية، احتضنت العتبة الكاظمية المقدسة، في قاعة الحمزة بن عبد المطلب "عليه السلام" فعاليات المُؤتمر العلمي الموسوم: "من الاختلاف إلى التكامل نهج وطني للتعايش والسلم المجتمعي"، برعاية اللجنة الوطنية الدائمة للتوعية والإرشاد المجتمعي في مجلس الوزراء، وبحضور رفيع المستوى لشخصيات أكاديمية ودينية واجتماعية.
استهلت أعمال المُؤتمر بتلاوة آياتٍ عطرة من الذكر الحكيم شنّف بها أسماع الحاضرين القارئ صادق الأنصاري، أعقبتها قراءة الفاتحة أهدي ثوابها إلى أرواح شهداء العراق، تلتها قراءة النشيد الوطني، ومشاركة لفرقة إنشاد الجوادين، بعدها تقديم عرض مسرحي من قبل مجموعة من طلبة كلية الإمام الكاظم "عليه السلام"، حمل رسائل إنسانية ووطنية عميقة.
ثم أُلقيت كلمات الجهات الراعية والمشاركة من بينها: اللجنة الوطنية الدائمة للتوعية والإرشاد المجتمعي/ مكتب رئيس الوزراء، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وكلية الإمام الكاظم "عليه السلام"، وجامعة الإمام الصادق "عليه السلام"، وكلية مدينة العلم الجامعة، وكلية صدر العراق، وأكدت الكلمات على التزام هذه المؤسسات بترسيخ قيم السلم الأهلي والتلاحم الوطني، مثمّنة الدور المحوري للعتبات المقدسة بوصفها مراكز إشعاع للسلام والوحدة، وداعمة لمسارات الحوار والتفاهم، بما يسهم في تثبيت الاستقرار وتعزيز النسيج المجتمعي.
شهد المؤتمر انعقاد ثلاث جلسات علمية ثرية المضامين، استعرضت الجلسة الأولى المحور الأمني بمشاركة الأستاذ علي عبد الله عباس، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف في مستشارية الأمن القومي، والدكتور حسن البخاتي مدير عام التربية والتعليم في هيئة الحشد الشعبي، والأستاذ سعيد نعمة الجياشي مستشار رئاسة الوزراء، واللواء الدكتور سعد معن رئيس خلية الإعلام الأمني.
تناولت الجلسة التحديات الأمنية المرتبطة بالسلم المجتمعي، ومواجهة التطرف والعنف الفكري، كما ناقشت آليات التنسيق بين المؤسسات الأمنية والتعليمية لترسيخ ثقافة التعايش والوعي الوطني، خصوصاً لدى فئة الشباب، وركّزت المداخلات على أهمية الإعلام الأمني المسؤول في تحصين المجتمع من الانزلاق نحو التطرف، وإبراز الجهود الحكومية في اعتماد برامج وقائية توعوية تستند إلى بناء وعي مجتمعي رصين.
أما الجلسة الثانية وتضمنت المحور المكوناتي: بمشاركة فضيلة الدكتور الشيخ عماد الكاظمي عن الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة، والأستاذ المساعد الدكتور محمد الحاتمي، نائب رئيس اللجنة الوطنية الدائمة للتوعية والإرشاد المجتمعي، والأب الدكتور أمير ججي عن الطائفة المسيحية، والشيخ قيس البدري عن الطائفة الصابئة المندائية، والدكتور أحمد حسين كتاو زعيم الطائفة الشركس في العراق.
فقد ركز الباحثون على إبراز دور التنوع الديني والعرقي في بناء مجتمع متماسك قائم على الاحترام المتبادل والتكامل الوطني، وشدد المتحدثون على أهمية الحوار البنّاء، وضرورة ترسيخ قيم المواطنة والانتماء المشترك، والتأكيد على أن حماية النسيج المجتمعي العراقي هو مسؤولية جماعية، تستدعي التعاون بين المكونات كافة في مواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التعايش.
أما الجلسة الثالثة شهدت المحور التربوي والتعليمي، وشارك فيها الدكتور محسن عبد علي الفريجي عضو المجلس الاستشاري لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والأستاذ عبد الأمير القريشي مدير مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة.
وناقشت الجلسة الدور الريادي للمؤسسات التعليمية والدينية في بناء وعي جمعي يتبنى ثقافة التسامح، ويعزّز مبدأ العيش المشترك، من خلال مناهج تعليمية ومبادرات توعوية تسهم في تحصين الأجيال الصاعدة من الانقسامات الفكرية والطائفية.
وفي ختام المُؤتمر تم تكريم المؤسسات المشاركة في هذا الحراك الوطني الواعي، والباحثين الذين أغنوا الجلسات بأفكارهم البناءة.
وخرج هذا المُلتقى العلمي والإنساني برسالة وطنية سامية تؤكد أن عراق اليوم بحاجة إلى مشاريع فكرية تُعيد ترميم النسيج المجتمعي، وتُرسّخ ثقافة الاختلاف الإيجابي، وتُعزز من قيم الحوار والاحترام المتبادل لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وعدلاً.